مال و أعمال

هل تستطيع أوروبا مواجهة الشتاء بدون الغاز الروسي؟

هل تستطيع أوروبا مواجهة الشتاء بدون الغاز الروسي؟

هل تستطيع أوروبا مواجهة الشتاء بدون الغاز الروسي؟

 

تسير دول الاتحاد الأوروبي على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف ملء مخزونات الغاز الطبيعي، لكن الخبراء والمحللين يرون أن هذه المخزونات لن تكون كافية لحل أزمة الطاقة هذا الشتاء، إذا استمرت الإمدادات الروسية عند مستوياتها المتدنية، أو قطعها بالكامل.

وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أمس، أن احتياطيات الغاز في الاتحاد الأوروبي، وصلت في المتوسط إلى نحو 80 بالمئة، وهو المستهدف الذي كان من المخطط الوصول له في نوفمبر.

وجاء تحقيق هدف تخزين الغاز، قبل شهرين من الموعد المستهدف في ظل الاستعداد لشتاء صعب، على الرغم من انخفاض الإمدادات الروسية عبر خط غاز “نورد ستريم 1” الرئيسي خلال الفترة الأخيرة إلى 20 بالمئة فقط من سعته.

وفي جولة جديدة من التصعيد بين روسيا والدول الغربية، أوقفت شركة “غازبروم” الروسية، تدفقات الغاز عبر خط “نورد ستريم 1” لثلاثة أيام على التوالي بهدف تنفيذ أعمال صيانة مفاجئة، على أن تعود الإمدادات من جديد في بداية اليوم الرابع من سبتمبر الجاري. كما أعلنت “غازبروم” أنها ستوقف ضخ الغاز إلى شركة المرافق الفرنسية “إنجي” بداية من اليوم، بسبب خلاف حول المدفوعات.

وتقول روسيا إن العقوبات الغربية هي السبب وراء انقطاع إمدادت الغاز، فيما وجهت الدول الأوروبية أصابع الاتهام مرة أخرى إلى موسكو مهتمة إياها باستغلال أزمة الطاقة كسلاح في حرب العقوبات الطاحنة بين الجانبين على خلفية الأزمة الأوكرانية، مستبعدة أن تعيد موسكو ضخ الغاز عبر “نورد ستريم 1” مرة أخرى لتحقيق المزيد من الضغط على دول القارة.

وبغض النظر عن السبب إلا أن هذه الانقطاعات المتكررة لإمدادات الغاز تواصل الضغط على الأسعار التي قفزت بنسبة أربعمائة في المئة منذ أغسطس من العام الماضي، وتزيد المخاوف من استمرار نقص الإمدادات وانقطاع الكهرباء، وهو ما ستكون له تداعيات وخيمة على اقتصادات منطقة اليورو التي تواجه شبح الركود.

المخزونات غير كافية

تظهر البيانات أن مخازن الغاز الأوروبية ممتلئة حاليا بنحو 80 بالمئة، حيث تم تخزين حوالي 888 تيراواط ساعة من الغاز حتى الآن، وهو ما يعني أنها تجاوزت مستوى الذروة في مخزوناتها قبل الشتاء الماضي التي بلغت 858 تيرواط ساعة، بحسب وكالة رويترز.

وحتى إذا وصلت الدول الأوروبية إلى تعبئة مخازن الغاز بالكامل، فإن هذه المخزونات، في أحسن الأحوال، لا تكفي لأكثر من 3 أشهر، بحسب “أورورا إنرجي ريسيرش”.

وفي ألمانيا، التي لديها نحو ربع مخزون الاتحاد الأوروبي من الغاز، فإن مخزوناتها يمكن أن تلبي ما بين 80 و90 يوما فقط من متوسط الطلب.

قال كلاوس مولر، رئيس الوكالة المسؤولة عن تنظيم الطاقة في ألمانيا، في تصريحات لصحيفة “مونشنر ميركور” الأسبوع الماضي، إن احتياطيات الغاز الألمانية ممتلئة حاليا بنحو 83 بالمئة، لكنه قال إنه حتى لو وصلت هذه النسبة إلى 95 بالمئة، فإن المخزونات ستغطي أقل من 3 أشهر من التدفئة والطلب الصناعي والطاقة، إذا قطعت روسيا الإمدادات بالكامل.

في الظروف العادية، كانت مخزونات الغاز التي تحققت حتى الآن في أوروبا، كافية لتغطية ذروة الطلب على الغاز في فصل الشتاء، لكن في 2022، ومع انخفاض الإمدادات الروسية بشكل حاد، والتهديدات الدائمة بقطعها بالكامل، فإن هذه المخزونات لن تكفي لتحقيق التوازن في السوق.

وقال المستشار النفطي، الدكتور مبارك الهاجري، في تصريحات خاصة لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “دول الاتحاد الأوروبي، بشكل قاطع، لا يمكنها مواجهة فصل الشتاء بالاعتماد فقط على مخزوناتها من الغاز الطبيعي، التي تتراوح حاليا بين 80 و85 بالمئة، بدون الحصول على الإمدادت الروسية”.

وأضاف أن “إعلان النرويج عن زيادة قدراتها الإنتاجية من النفط والغاز، واتجاه بريطانيا لتزويد قارة أوروبا بمخزونات الغاز في بحر الشمال، كلها حلول مؤقتة، وبالتأكيد تحتاج إلى الغاز الروسي في فصل الشتاء”.

الحلول والبدائل

الحل الأبرز، الذي يطرحه الخبراء في الوقت الحالي لأزمة نقص الغاز في أوروبا، هو تقليص الاستهلاك، من أجل ضمان استمرار توفر الوقود خلال الأشهر الأكثر برودة.

وقال سيمون تاجليابيترا، الزميل بمركز بروجيل للأبحاث، لوكالة رويترز: “للتعامل مع الوضع المتأزم الحالي، سيكون خفض الطلب أكثر أهمية من التخزين”.

ولتفادي أزمة إمدادات في الشتاء، تحتاج الدول الأوروبية إلى خفض استهلاكها في كل شهر بنسبة 15 بالمئة عن متوسط الاستخدام في خمس سنوات، بحسب شركة البيانات ” ICIS”.

وبحسب بيانات “ICIS”، فإذا فشلت دول الاتحاد الأوروبي في تقليص استخدامات الغاز، فإن مخازنها ستكون فارغة تماما بحلول مارس المقبل.

وفي يوليو الماضي، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على خفض طوعي لاستخدام الغاز بنسبة 15 بالمئة هذا الشتاء من متوسط استخدام فصل الشتاء في الفترة بين 2017 و2021.

وبحسب، ما قاله كلاوس مولر، رئيس الوكالة المسؤولة عن تنظيم الطاقة في ألمانيا، فإن أكبر اقتصاد في أوروبا على سبيل المثال، يحتاج إلى تقليل استخدام الغاز بنسبة 20 بالمئة على الأقل، وإلى تأمين إمدادات إضافية لاستمراره خلال موسم التدفئة القادم.

وفي إطار تقليل الاستهلاك، أعلنت دول أوروبية عن خطط طوارئ للتعامل مع نقص إمدادات العاز، تشمل تقنين استهلاك الكهرباء والغاز، وفرض إجراءات لترشيد الاستهلاك مثل إطفاء لوحات الإعلانات ليلا، هذا إلى جانب إعادة تشغيل محطات توليد الطاقة بالفحم، وتهيئة البنية التحتية لاستقبال الغاز المسال.

وقال الدكتور مبارك الهاجري، إن هناك بعض البدئل والحلول أمام القارة الأوروبية لحل أزمة نقص الغاز، لكنها حلول طويلة الأمد وليست في المدى القريب، مثل التوجه للطاقة البديلة.

وتسعى أوروبا لزيادة قدراتها من الطاقة الجديدة والمتجددة عبر التوسع في مزارع الرياح والطاقة الشمسية، كجزء من استراتيجية تهدف لإنهاء الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.

وأضاف الهاجري أن من بين هذه الحلول أيضا التوجه نحو الدول المصدرة للغاز في شمال أفريقيا، مثل مصر والجزائر والمغرب، وأيضا إسرائيل وقطر، أو بعض دول شرق آسيا واليابان، مشير إلى أن مشكلة بعض الدول المصدرة للغاز في بُعد المسافة التي تزيد صعوبة الاستيراد وترفع من تكلفة الغاز.

وأشار إلى زيادة إمدادات الغاز المسال الأميركي بنحو 200 بالمئة إلى أوروبا، في الفترة الماضية، والتي ساهمت في سد نقص الإمدادات، وساعدت دول القارة على تقليل اعتمادها على روسيا.

“لكن للأسف هذه الحلول، لن تحل هذه الازمة في فصل الشتاء، فالغاز الروسي ضروري من أجل تجاوز مواجهة الطلب المرتفع في فصل الشتاء”، بحسب ما قاله الهاجري.

ومن بين الحلول طويلة الأمد التي تعمل عليها الدول الأوروبية في الوقت الحالي التوسع في استخدام الطاقة النووية، لضمان توفر إمدادات الكهرباء بعيدا عن الغاز الروسي.

قفزة الأسعار

وقال الهاجري، إنه إذا استمرت انقطاعات الغاز الروسية عن أوروبا، فإن الأسعار ستزيد “بشكل جنوني”، مشيرا إلى أنه رغم انخفاضات الغاز في اليومين الأخيرين بعد التصريحات الخاصة بقرب امتلاء مخزونات الغاز، فإنها لا تزال أعلى بنحو 12 ضعف مستواها في العام الماضي.

وشهدت فواتير الكهرباء والغاز في دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ارتفاعات قياسية خلال الشهور الأخيرة، وسط توقعات بالمزيد، وهو مع يرهق ميزانيات الأسر، ويضاعف أعباء المعيشة، في الوقت الذي لم تتعافى فيه الدخول من تداعيات أزمة كورونا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!